بعيدا عن هموم العراق، فأن عالم ألنخيل يملأ تاريخنا مجدا وجمال. حيث أرتبط أسم ألعراق بالنخيل قبل أن يرتبط بأي شيء فلا نفطا يعادل ألنخيل ولا قحطا مع النخيل.وسمي العراق بلاد السواد بسبب نخيله، و قيل أن ألنخله خلقت مع آدم عليه ألسلام ولذلك سماها النبي صلى الله عليه وسلم بالعمه (عمة بني آدم) وهنا التشبيه رائع جدا حيث أنها تشبه آدم في الخلق. والتشبيه هنا معنويا و ماديا. حيث يقول أبن وحشيه الحيري عن ألنخله (تشبه الأنسان من حيث أستقامه قدها وطولها وامتياز فحالها عن اناثها واختصاصها باللقاح الظاهر للعيان ولو قطع رأسها هلكت ولطلعها رائحه المني ولها غلاف كالمشيمه ألتي يكون فيها الولد والجمار الذي في رأسها لو أصابه آفه هلكت النخله لا محاله فهو بمنزله المخ في الانسان اذا اصابته آفه ولو قطع منها سعفه لا يرجع بدلها فهو كعضو الأنسان.... أما الرطب فانه انفع شئ للنفساء وهو أحسن دوائها والرطب يلين الطبيعه ويزيد المني ومع الخيار والخس أنفع وأفيد) .
أن ألنخل كان معروفا في بلاد الرافدين قبل الطوفان. وقد ثبت أن منطقه أريدو جنوب أور وهي من مدن قبل الطوفان وكانت مأهوله في حوالي القرن الرابع قبل الميلاد، كانت زاخره بالنخيل بل وأعتبرألنخل ألشجره الرئيسيه في ألزراعه في حينها. ولقد عنى ألبابليون والآشوريون ومن قبلهم السومريون بالنخله وكانت أكثر من مجرد شجره عاديه بل كانت مقدسه لديهم. ومن ذلك اليوم وحتى وقتنا الحاضر ما زال ألناس يستخدمون ألنخل في ألزينه. لقد أستخدم ألنخيل ومنتجاته في ألعلاج منذ القدم وقد قدم سكان وادي الرافدين ألكثير من ألوصفات ألطبيه ألتي يدخل في تركيبها ألتمر أو أحد مشتقات النخيل في علاج ألدمامل والقروح وعسر البول وآلام المعده وغيرها من العلل. ويكفي الأشاره هنا ألى تعظيم أجدادنا للنخيل انهم جعلو قوانين خاصه لحمايتها حسبما وردت في شريعه حمورابي.وأما أجدادنا فلم ينيلو شجره أهميه مثلما أنالو ذلك للنخله. ولقد أرتبط ألنخل أرتباطا عميقا بالحضاره الإسلامية.
وقد ذكرت هذه الشجره العظيمه في القرأن الكريم في عدة مواضع أذكر ( (منها وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ) (ألنحل) . وأما الأدب العربي فهو زاخر بالتغني بالنخله ولا تكاد تحصى الأبيات الشعريه التي خلدت هذه الشجره المعطاء يقول يزيد بن عمرو الطائي :
أصاب الغليل عبرتي فأسالهـا....... وعاد احتمام ليلتي فأطالـهـا
ألا من رأى قومي كأن رجالهم...... نخيل أتاها عاضدٌ فأمالـهـا
ويقول المعري :
شربنا ماء دجله خير ماء............وزرنا أشرف الشجر النخيلا
ونرى الأمير الأندلسي عبد الرحمن الداخل صقر قريش يبث أحزانه ألى النخله اليتيمه التي يراها في الأندلس حيث يصف حالها مرهفا، كما حال ملايين المغتربين العراقيين اليوم، حيث قال:
تبدت لنا وسط الرصافه نخلة......تنائت بأرض الغرب عن بلد النخيل
فقلت شبيهي بالتغرب والنوى........وطول أغترابي عن بني وأهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة........ فمثلك في الأقصاء والنتأى مثلي
ولربما أشهر بيت يكرره الناس حتى زمننا الحاضر وينصح المرء بالتشبه بالنخيل :
كن كالنخيل شامخا عن الحقارات يرمى بالحجر فيرمي أطيب الثمرات
ووجدنا في التراث العراقي أن خالد أبن صفوان يفاخر بنخيل ألبصره حيث يقول للخليفه الأموي عبد ألملك أبن مروان " فأما الرطب عندنا فمن النخل في مباركه كالزيتون عندكم في منابته (ويقصد في الشام) هذا في أفنانه كذاك في أغصانه، هذا في زمانه كذاك في أبانه من الراسخات في الوحل المطعمات في المحل الملقحات بالفحل. يخرجن أسفاطا وأوساطا كأنما ملئت رياطا ثم ينفلقن عن قضبان الفضه منظومه باللؤلؤ الأبيض. ثم تتبدل قضبان الذهب منظومه بالزبرجد الأخضر ثم تصير ياقوتا أحمر وأصفر. ثم تصير عسلا في شنه من سحاء ليست بقربه ولا أناء حولها ألمذاب ودونها الحراب لايقربها الذباب مرفوعه عن التراب ثم تصير ذهبا في كيسه الرجال يستعان به على العيال"
وهاهو ألخليفه العباسي ألرشيد يفخر بنخيل البصره حيث يقول "نظرنا فأذا كل ذهب وفضه على وجه الأرض لاتبلغان ثمن نخل البصره". ولقد وضع علماء التراث العربي الإسلامي الكثير من المؤلفات البحثيه عن ألنخل وزراعته وأنواعه وما ألى ذلك ومن أبرزهم ألجاحظ والأصمعي وأبن أوس الأنصاري والأندلسي وغيرهم.
وهنا نقول يحق لكل العراقيين أن يفخروا بثروة لا تقدر بثمن ولا يعدلها في الأرض ذهب ولا فضه