ومن الأسباب الخطيرة في إهلاك الله عز وجل للأمم وخراب الدول ، عدم المساواة في القصاص وإقامة الحدود بين أفراد الشعب وهضم حق الضعيف والتعدي عليه وإهانته ، ورفع وتقديس الشريف ذي الثروة والجاه والمكانة ، وغض الطرف عما يقترفه من آثام وإجرام ومخالفات .
عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، أن قريشاً أهمتهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال : " إنما أهلك الذين من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " رواه البخاري .
نعم يا عباد الله إن عدم المساواة بين الناس من قبل ولاة الأمور في إقامة الحدود ، والتعزيرات سبب في خراب الدول وهلاك الأمم.والحديث قد سمعتموه ، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .
والدلالة من الحديث ظاهرة ، حيث أن بعض الأقوام السابقين ، كانوا يتهاونون في إقامة الحدود ، فيتركون أهل الجاه والرياسة وينفذونها في الضعاف والمساكين ، ولا يساوون في تنفيذ هاتين سائر طبقات الناس.فأهلكهم الله تعالى وأضلهم ، وأوقع بهم أليم عذابه وأنواع نقمه ، لأن هذا ظلم ظاهر وخروج عن أحكام الله المنزلة على سائر أنبيائه ، فالناس بالنسبة للأحكام الشرعية سواء ، لا فرق بينهم ، لا فرق بين غني وفقير ، ولا شريف ووضيع ولا عالم وجاهل ولا صالح وطالح .
فهل هذا مطبق في ديار المسلمين ، هل الناس الآن سواسية فيما يطبق عليهم من أحكام وأنظمة فليتق الله كل من ولى شيئاً من أمور المسلمين ولينفذوا أحكام الله ، ولا يحيفوا ويجوروا ، وليسووا بين الناس ، ولا يكونوا سبباً لجلب الوبال والهلاك على شعوبهم ، والله تعالى لا يُقدر أي أمة ولا يرفع من شأنها ولا ينصرها وهي لا تعطي حق الضعيف منها ، بل تظلمه وتهضم له حقه .
واسمعوا هذا الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه وغيره : “ عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال :رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟قال فتية منهم يا رسول الله ، بينا نحن جلوس مرت علينا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة من ماء.فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها على ركبتها فانكسرت قلتها ، فلما ارتفعت التفتت إليه ثم قالت:ستعلم يا غُدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غداً.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدقت ، صدقت ، كيف يقدس الله قوماً لا يُؤخذ لضعيفهم من شديدهم "
كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم.
فاتقوا الله أيها المسلمون : كيف يطهر الله أمة وينصرهم ، ويرفع شأنهم ، وهم لا يأخذون حق ضعيفهم من قولهم ، كيف يوفق الله أمة وينصرهم ، وهم يحابون فيمن يقيمون الأنظمة عليهم من شعوبهم.كيف يريدون نصر الله لهم على أعدائهم ، وهم لا ينصرون العاجز إذا أكل حقه من ذويهم ، إما في أرض أو في عقار وهم قادرون على ذلك .
فما أعجب حالنا إن كنا نظن أننا مع تمادينا في ذلك ، سوف الله شأننا ، ويرفع أمرنا .
فلا شك أن من كان هذا حالهم في الظلم والتعدي وهضم حقوق الضغفاء ، وعدم تمكينهم من حاجاتهم كان مآلهم الهلاك المحقق والتأخر والانحطاط وانتصار أعدائهم عليهم.