ليلة الجمعة .. وبالتحديد الساعة 11 مساءً انتهيت من كل أعمالي ..
ماذا أفعل ؟! أين اذهب ؟! لدي فراغ كثير .. إختلوت بنفسي .. وتركت أهلي وأصحابي .. وأنا أفكر ماذا افعل !!
خطرت لي خاطرة , عزمت على فعلها , وكانت الخاطرة سيئة , أغلقت الأبواب والنوافذ , وأطفأت الأنوار , وخيم الظلام
في غرفتي , وقلت للمعصية " هيت لكِ " .
فسمعت صوتاً ينشد يقول :
" أسفاً لعبد كلما كثرت أوزارة قلٌ استغفاره , وكلما قرب من القبور قوى عنده الفتور
" يا مدمن الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكما "
" غرٌك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا "
فانتبهت .. وخفت .. وتلفٌت حولي .. وأخذت أردد يا ويلي !! من صاحب الصوت ؟!
ثم رأيت شيئاً لا أستطيع وصفة فقمت خائفاً وفتحت الأنوار , فرأيت شيئاً أسوداً لا أستطيع وصفة .
قلت: من أنت ؟ .
قالت : أنا سيئتك .
قلت : وما سبب مجيئك إلىٌ في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟.
السيئة : جئت لأنصحك , وإن كان النصح لا يُِقبل مني , ولكن " الحق ما شهدت به الأعداء "
قلت : هيا تكلميٌ , ماذا عساك أن تقولين .
السيئة : هل تظن أنك وحيدُ هنا ؟!
قلت : وماذا وراء هذا السؤال ؟.
السيئة : إنني رايتـك مطمئن أثناء فعل المعصيـة , و كأنك أمنت من حسـاب الله تعالي !!.
قلت غاضباً : هذا ليس من شأنك , ولا أحب أحداً أن يتدخل في أمور حياتي ..
السيئة مبتسمة : لقد قلت إني ناصحة , ويبدو أنك لا تريد النصيحة .
ثم تحركت " السيئة " خارجة من الغرفة وهي تقول :
" توارى بجدران البيوت عن الورى
وأنت بعين الله والله ينظر "
" وتخشى عيون الناس إن ينظُروا بها
ولم تخشَي عين اللهِ واللهُ ينظرُ "
فتدبرت ما قالت , وتأثرت به
وقلت لها , كرري علىٌ ما ذكرت , فأعادت الكلام علىٌ حتى ندمت على ما كنت ناوياً فعله ..
فناديتها قائلاً : تعالِ , يا سيئة وهات ما عندك .
السيئة : وشرطي أن تسمع ما عندي , ولا تكون متكبراً على , وعلىٌ نصحيتي .
قلت : تفضلي .
السيئة : إني أراك كثيراً ما تخلو بمعاصي الله , وهذه صفة سيئة , تفسد عليك علاقتك بالله تبارك وتعالي , وتبطل أعمالك
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت مقاطعاً : وماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟.
السيئة : قال "
قال : إنه لحديث خطير ومخيف ..
السيئة :- نعم ولهذا أنا أشفقت عليك وأردت نصحك , قبل أن تكون أعمالك هباءً
منثوراً , فاِلحق بنفسك يا عبد الله .
ثم قالت : وكما أن فعل السيئة في الخلوة يفسد علاقتك بالله كما أوضحنا , فكذلك هي
تفسد علاقتك بالناس .
قلت : ولكن الناس لا يعلمون أني أفعل المعاصي ؟ فكيف تفسد العلاقة معهم ؟
السيئة : هذا ما حكاه الصحابي أبو الدر داء – رحمه الله – حين قال :
" إن العبد يخلو بمعاصي الله , فيلقي الله بغضبه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشـعر "
فأنتبه لنفسك يا عبد الله ,.. وأحكم زمام هواك , فلا تفلته إلاٌ لرضاء مولاك ..
قلت : ولكني وإن عصيت الله فان أكثر أعمالي السيئة صغيرة , وأعتقد أنها لا تؤثر في صحفيتي يوم القيامة ..
السيئة : لا تكن كتلك " المرأة الجاهلية " التي تركت الغزل بحجة أنه ماذا يفيدها نسيج
خيط على خيط كل ساعة .وما علمت هذه الجاهلة أن ثياب الدنيا قد اجتمعت خيطاً خيطاً . وأنا سيئة ولكني اعلم منك في
مدي تأثيري بصحائف الخلق يوم القيامة ,
وكما قيل :
" النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة "
قلت متسائلاً : أين أنا من هذه المفاهيم ؟
لقد كنت في غفلة عمياء , وإني غررت بالدنيا والله .
السيئة : تحرك يا عبد الله ومازلت في الوقت متسع لتعوض تقصيرك : بحق ربك ..فأنا السيئة ..
*أنا سبب هلاكك يوم القيامة .
*أنا سبب بغض العباد لك في الدنيا .
*أنا سبب محق البركة من عملك .
*أنا سبب ضعف حفظك وعملك .
قلت مقاطعاً : وكل ذلك من آثارك ..
السيئة : بل وأكثر من ذلك فأنه يكفي أن من آثاري أن تولد السيئة السيئة كما أخبرنا بعض السلف عندما قالوا :
" إن من الثواب الحسنة الحسنة بعدها
وإن من عقاب السيئة السيئة بعدها "
قلت : وما العمل الآن , وقد نويت فعل السيئة وأحكمت غلق الأبواب والنوافذ .
السيئة : أعلم أن العبد إذا نوى السيئة فلم يفعلها فأنه تكتب له حسنة , إن تركها من أجل
الله تعالي , فتب على الله يا عبد الله , واستغفر لذنبك فإن الله غفور رحيم .. وأحكم غلق الأبواب والنوافذ , وأطفأ الأنوار
في غرفتك ولكن ! لطاعة الله تعالي .
فإن سيئة السر تمحوها حسنة السر " وهذه بتلك
لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة
بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء , فيجعلها الله عزوجل هباءً منثوراً .
قال الصحابي ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا , جلهم لنا , أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ؟
قال : أما إنهم إخوانكم , ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ,
فسكتت السيئة وسكت " عبد الله " ثم ..